2013-03-21

ساعــات بــيـن الـكـتـب1

عكفت في اليومين الماضيين على قراءة هذا الكتاب الرائع الزاخر الذي يجمع المعرفة من شتى الكتب بمعرفة الكاتب (عباس العقاد). حيث أن الكاتب يعرض أفكارًا يختارها من كتب و يفندها و يناقشها و ينقدها و ربما يؤيدها و يدعمها بأدلة و براهين من كتب أخرى
و حيث أن هذا الكتاب هو مجال واسع  يجعلك متعطشًا للنقاشات الأدبية و السجالات الفكرية, فقد ارتأيت أن أناقش بعض مقالاته و أسرد ما رأيته جديرًا بالمشاركة -و الكتاب بأكمله جدير بالمشاركة. *وضعت اقتباسات الكتاب باللون الأحمر بينما تعليقاتي ستظل باللون الأبيض

**************
"
يقول جوستاف لوبون في كتابه (الآراء و المعتقدات) : "إن اللذة و الألم هما لسان الحياة المادية و المعنوية و عنوان الكدر و الصفاء في الأعضاء و بهما ترغم الطبيعة الحيوان على الإتيان بأعمال يستحيل الوجود بدونهما". اللذة و الألم ليستا نتيجة لحالة سابقة و إنما محكومتان بعدة عوامل أخرى نجهلها ولا نحس فيها. فالعوامل تدفعك إلى شيء فيكون لذيذًا إليك أو مؤلما في حسه. فالإنسان مدفوع على الحالتين قبل أن يذوق اللذة أو الألم. فماذا أوضحنا و ماذا فسرنا إذا قلنا أن الإنسان سعمل ما يلذه و يجتنب ما يؤلمه إذا كان من الثابت المحقق أن الإنسان مكره على اللذة التي يطلبها كما هو مكره على الألم الذي يجتنبه! و كيف نقول أنهما أكبر عوامل الحركة و ها نحن نرى إنسانًا يُكرم لأن الكرم لذيذ عنده, و ترى إنسانًا يبخل لأن الكرم يؤلمه و يكدره! ...الخ
"

***************

نعم, نحن لسنا بالضرورة نعمل العمل لأننا نتلذذ به أو نتجنبه لأنه يؤلمنا. فها نحن ذا نتلهف شوقًا لنخط قصة حب في فصول حياتنا مع أننا ندرك تمامًا أن الحب مؤلم رغم كل تلك اللذة التي نجدها فيه. نحن نحبهم و إن تجاهلونا أو تخلوا عنا ولا نطلب مقابلًا منهم لتعويض الألم الذي نجنيه من حبنا لهم. نعمي أعيننا عن عثراتهم و نقائصهم, و نتجاهل تجاهلهم. يقتلوننا في اليوم ألف مرة و لكن حبنا أعمى و لا يأبه إطلاقًا بل و يكبر مع كل رشفة ألم
 نحن نهرول نحو كل ما يؤلمنا و من الممكن أن يدمرنا و لكننا لا نأبه, بل نستلذ و نتلذذ بهذا الألم
و على النقيض من ذلك, فنحن ننفر مما يحقق لنا لذة و سعادة لا متناهية
فنحن لا نصلي مع أننا ندرك عاقبة المصلين و عقوبة التاركين
و نمنع العطاء عن المحتاجين مع أننا نعلم جيدًا حجم السعادة و الأجر الكبيرين
و لا نستميت في طلب العلم مع أننا نرى و ندرك حجم تعاسة و شقاء الجهلة و الأميين
 

نحن لم نعد نتلذذ بشيء لأنه لذيذ, بل لأنه مؤلم
و لكن, أليس الإحساس بالألم أفضل من عدم الإحساس بشيء مطلقًا؟
ليس بالضرورة أن تكون السعادة التي نجنيها مما نفعله لذيذة المذاق على الدوام. فنحن سعداء جدًا في الحب برغم الألم المر الذي نتجرعه في سبيله. يزيد ألمنا فنزيد عطاءنا و لا ينضب. يسلبنا النوم قريري الأعين و لا نتخيل أنفسنا لحظة بدونه. نرى المحبّين تعساء و نحسدهم و نتوق لأن نكون مثلهم
نكون أمواتًا قبل أن نقع في الحب, و حين يُحيينا الحب يُحيينا على الألم و العذاب
ألم الوحدة
عذاب الحنين و الأشواق المجنونة
ألآم تلك الأوراق المبعثرة لرسائل لم تصل 
و عذاب أنها لربما لن تصل أبدًا
ألم الغيرة 
و عذاب كتمانها لأنك تراها تسلبك نفسك و لربما تنهي ذلك الحب الذي قاسيت المر لأجله
ألم أن تحس أنك المجنون وحدك 
و عذاب إحساسك أن هذا الجنون ما يزيد الطرف الآخر إلا نفورًا
ألم الحيرة التي نسبح فيها وحدنا 
و عذاب ألا تجد من يهدي تلك الحيرة 
  ألآم و عذابات لا تعد و لا تحصى. و لكننا نظل نحب كأطفال لا تُعلمهم الآلام و لا تمحو براءة الحب الذي يحملونه في قلوبهم الصغيرة

************
 

No comments:

Post a Comment